اريد موضوع تعبير عن التعليم واثره فى التقدم

منار محيى

عضو فعال



الجهل هو سبب تاخر الشعوب
العلم هو السلاح التى تتقدم به البلاد
وسائل انتشار العلم
العلم والعمل امانه وصانا بها الدين
تنميه المواهب بالعلم
مصر سبقت العالم فى العلم والحضاره
مامقترحاتك لتجعل مصر من الدول المتقدمه
 










رد: اريد موضوع تعبير عن التعليم واثره فى التقدم

العمل

التناقض سمة لا تكاد تنفك عنها معرفتنا الإنسانية عبر مسيرتها في طريق التقدم والتطور، وشاهد ذلك سلوكنا الفكري نفسه، فنحن اليوم نختلف عنا بالأمس.. ونحن غداً غيرنا اليوم، أفكارنا غير أفكارنا ومفاهيمنا غير مفاهيمنا! وقبل أربعة عشر قرناً من الزمان قرر القرآن الكريم هذه الحقيقة فنزل فيما نزل منه قول الحق تبارك وتعالى: }أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا{ النساء:82، أي أفلا يتأملون ويتفكرون في القرآن ولو كان مصدره غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً. وقد ذكر المفسرون أن "الاختلاف" الذي لا يمكن أن نجده في القرآن هو التضاد بين آياته فيما بينها ومناقضة بعضها البعض، أو أنه مناقضة القرآن للوقائع المعلومة والحقائق المقررة. ومعنى ذلك أن أي معرفة إنسانية المصدر مهما تقدمت وتطورت فسيلازمها الاختلاف الكثير المشار إليه في الآية الكريمة، وذلك لكونها (من عند غير الله). ومن نافلة القول أن نشير إلى وضوح هذه الحقيقة فيما يسمى ب"العلوم الإنسانية" كالآداب وعلوم الاجتماع والنفس والفلسفة والتاريخ فإن الاختلافات بين المدارس التي تقوم عليها هذه العلوم لا تكاد أن تحصى. ومن المعلوم أن كل اختلاف في أصول هذه العلوم ومقدماتها يقود إلى اختلاف أكبر في فروعها وبالتالي في نتائجها ومقرراتها. بل إن ذلك ينطبق أيضاً على العلوم الشرعية التي تخضع للذهن البشري كالفقه مثلاً فإن الاختلافات بين الفقهاء لا تكاد أن تنحصر نظراً لتفاوت العقول والأفهام، فكيف إذاً يكون شأن غيرهم من المفكرين الذين لا يسلمون من اختلافات العقول والأهواء على حد سواء. يبقى لدينا المسألة التي ربما بدت أكثر خفاءً، والتي تتعلق بالمعرفة التي يقدمها لنا "العلم Science" بوصفه درة تاج المعرفة الإنسانية وفخرها.. هل هناك "اختلاف كثير" فيما تقدمه لنا المعرفة "العلمية" بوصفها معرفة بشرية في نهاية المطاف؟ وإذا كان الأمر كذلك فكيف يمكن أن نوفق بين التقدم العلمي الذي نراه وبين طبيعة التناقض الذي تقتضيه المعرفة البشرية؟ هذا ما سوف نحاول أن نلقي الضوء عليه في هذه المقالة من خلال رؤية جديدة للتقدم العلمي تستلهم نصوص القرآن ونظرة الإسلام للكون والوجود.

قبل أن نشرع في موضوعنا يحسن بنا أن نعود إلى لفظ في الآية الكريمة التي افتتحنا بها المقال وهو قوله تعالى "يتدبرون" ومعنى تدبر الأمر: نظر في عاقبته ونهايته، ولا يخفى البعد الزمني لهذا المعنى حيث إن نهاية الأمر وعاقبته "تتخلف" عن بدايته ومقدمته. ومن هنا يمكن استنباط أن الاختلاف الكثير المشار إليه في الآية ربما أمكن إدراكه في "سياق زمني" يجعل ما هو "من عند غير الله" من المعارف غير صامد على امتداد الزمن بل عرضة للتغيير والتبديل، هذا إضافة إلى المعنى المتبادر للاختلاف والذي يمكن إدراكه دون الحاجة إلى السياق الزمني كما في العلوم الإنسانية التي أشرنا إليها في بداية الحديث. فلا بد لنا إذاً من النظر في فلسفة تطور "العلم" باعتبار المعرفة التي قدمها لنا العلم عبر القرون الماضية هي الشيء الذي نريد عرضه على سنة "الاختلاف الكثير" في هذه المقالة.

كيف يتقدم العلم؟!

نعرض هنا نماذج من آراء فلاسفة القرن العشرين في مسألة التقدم العلمي وذلك في إيجاز شديد قد لا يسلم من إخلال غير متعمد، يضطرنا إليه ضيق المساحة من جهة وكوننا لا نهدف من هذا العرض إلى استقصاء آراء الفلاسفة في هذه المسألة، إذ غرضنا أن نبين الاختلاف الجذري بين الرؤية الإسلامية المقترحة وبين غيرها من أطروحات الفلسفة الغربية.

يرى كارناب والذي يمثل اتجاه "التجربية المنطقية" التي تعتمد الاستقراء أسلوباً للوصول إلى الحقيقة العلمية، بأن التطور العلمي إنما يتم عن طريق "تأييد" المشاهدة المستقاة من التجربة للنظرية المقترحة من العقل وكلما ظهرت نتائج جديدة لتجارب مختلفة حول نظرية ما كلما تأيدت صدقية هذه النظرية وعلى ذلك فالتقدم إنما يتم بتراكم المعرفة شيئا فشئياً الأمر الذي يستشهد فيه عادة بمقولة إسحاق نيوتن الشهيرة: "إنني لم أستطع أن أرى أبعد من الآخرين إلا عندما صعدت على أكتاف من سبقوني".ورغم الجهد الذي بذله كارناب في تنقيح وتعديل "التجريبية المنطقية" لإنقاذها من النقد الشديد الذي وجه إليها، إلا أنها لم تستطع أن تحافظ على بريقها القديم فنشأت بعدها تيارات فلسفية أخرى، كان من أشدها عليها المنهج التكذيبي الذي تبناه كارل بوبر.

فقد حمل بوبر وهو أحد ألمع فلاسفة القرن العشرين على تصور "التأييد" الذي قدمه كارناب لتقدم المعرفة العلمية وقال إن التجربة لا يمكنها أن "تؤيد" شيئاً البتة، إنما يمكنها فقط أن تنقض أو "تكذِّب" نظرية أو فكرة ما إذا ما أسفرت عن نتائج لا توائم هذه الفكرة أو تلك النظرية. وبعبارة أخرى فإن مجرد موافقة التجربة لتصور نظري معين لا يعني أن هذا التصور صحيح إنما يعني فقط أننا لا نملك دليلاً على خطئه. ويحدث التقدم العلمي حسب بوبر حينما تظهر نتائج مناقضة لتصور نظري معين فعندها يتم التخلي عن هذا التصور والانتقال إلى تصور آخر قادر على أن يستوعب نتائج التجربة التي أظهرت خلل التصور الاول، فالمسألة كلها تعتمد على "تكذيب" النظرية لا على تأييدها. كما يؤكد بوبر أن النظرية الحديثة يجب أن تكون أكثر قابلية "للتكذيب" من سلفها أي أن تكون أكثر تحديداً من حيث محتواها العلمي وأكثر عرضة ـ من حيث المبدأ ـ لإجراء تجارب عملية تظهر زيفها، إذا ما كانت غير صحيحة، وبهذه السلسلة المتتالية من النظريات القابلة للتكذيب يتم التقدم العلمي في رأي بوبر.

ويرفض توماس كُوُن اعتبار تأييد النظرية عند كارناب وتكذيبها عند بوبر أساساً للتقدم العلمي، ويقدم رؤية بديلة ليقول أن التقدم يتم بواسطة انتقال المجتمع العلمي من "نموذج إرشادي Paradigm يعمل ويفكر من خلاله إلى نموذج إرشادي آخر. ففي ظل النموذج الإرشادي الذي يتبناه المجتمع العلمي يكون النتاج العلمي "تراكمي" فيجري تفسير الوقائع وتوجيه البحث العلمي في إطار هذا النموذج، فإذا ما ظهرت بعض النتائج "الشاذة" التي لايمكن تفسيرها حسب هذا النموذج، فإنه يُحاوَل حينئذٍ احتواؤها بتعديل النموذج الإرشادي وليس بإسقاطه، حيث يرى كُوُن أن النموذج الإرشادي السائد يكتسب حصانةً ضد "التكذيب" فلا يمكن إسقاطه فور ظهور بعض النتائج المكذبة له كما يعتقد بوبر، بل يلزم أن يوجد نموذج إرشادي بديل يمكنه أن يحتوي النتائج الشاذة إضافة إلى تلك التي فسرها النموذج السائد، وأن يكون المجتمع العلمي قد شعر أن النموذج السائد لم يعد بإمكانه أن يلبي حاجاته فحينها ينتقل المجتمع العلمي إلي النموذج الإرشادي البديل. وتسمى مرحلة الانتقال هذه من النموذج الإرشادي السائد إلى البديل بالثورة العلمية، والتي يمتنع كُوُن عن تفسير كيفية وسبب حدوثها عازياً ذلك إلى أسباب علمية وثقافية واجتماعية ونفسية معقدة.

وفي مقابل رؤية النموذج الإرشادي التي يقدمها كُوُن، يرى لاكتوش أن التقدم العلمي إنما يتم بواسطة تنافس "برامج البحث" القائمة في المجتمع العلمي، حيث تمثل الثورة العلمية ـ في نظره ـ تفوق "برنامج بحث" على آخر، ويعد برنامج البحث متقدماً عن غيره إذا كان نموه النظري متقدماً على نموه الإمبريقي (التجريبي)، وكان لديه تنبؤات ناجحة إلى حد ما، بينما يكون برنامج البحث متدهوراً إذا تخلف نموه النظري عن نموه الإمبريقي، وأعطى تفسيرات بَعدية إما لاكتشافات عشوائية أو لوقائع مفسرة مسبقاً من قبل برنامج بحثي آخر.

أما لاري لودان فتتميز رؤيته حول التقدم العلمي باستنطاق التاريخ العلمي الذي يلاحظ فيه النقاط التالية:

1. لايمكن الاحتفاظ بالمحتوى المنطقي أو الإمبريقي للنظرية حينما تحل محلها نظرية أخرى (أي لا تراكمية مع التقدم العلمي)

2. لا تنبذ النظريات ببساطة لأن لها شواذ، كما لا تقبل ببساطة لأنها مؤيدة إمبريقياً (أي لا "تكذيب" ولا "تأييد").

3. التغيرات في النظريات والمناقشات التي تصحبها غالباً ما تكون في المستوى المفهومي لا الإمبريقي.

4. لا يمكن اعتبار أن التقدم العلمي يتجه نحو فهم أو مطابقة "حقيقة العالم".

وبناء على هذه الملاحظات فإن لودان يقدم نموذج "حل المشكلة" على أساس أنه هو المحرك لعملية التقدم العلمي بدلاً من اعتبار أن التقدم العلمي مرهون باقتراب النظريات العلمية من فهم "حقيقة العالم". يتقدم العلم ـ حسب لودان ـ في حالة وجود نظريات متتابعة تحل كل واحدة منها مشكلات أكثر من التي تحلها سابقتها. كما يرفض لودان بناء على الملاحظات السابقة النظر إلى المعرفة العلمية على انها تراكمية ويرى أن التقدم العلمي يتعلق بتفضيل النظرية التي يمكنها حل عدد أكبر من المشكلات الإمبريقية وفي الوقت نفسه انتاج أقل عدد من الانحرافات والمشكلات التصورية، ولا يتعلق بمحاولة الحفاظ على الموروث المنطقي أو الإمبريقي للعلم.

أهمية التجربة في التقدم العلمي:

وكما هو واضح فإن فلاسفة العلوم لم يسلموا من "الاختلاف الكثير" الذي نتحدث عنه باعتبار الطبيعة الإنسانية لفرع المعرفة التي تنسب إليها أطروحاتهم، والتي أشرنا إلى وضوح الاختلاف فيها في مقدمة الموضوع! وبالرغم من ذلك فيمكننا ملا حظة قاعدة مشتركة بين هذه الرؤى المتفاوتة تتمثل في أهمية الدور الذي تلعبه التجربة عند الجميع في عملية التقدم العلمي سواء كان ذلك ب"التأييد" عند كارناب أو ب"التكذيب" عند بوبر أو بغيرها من الأدوار التي تلعبها التجربة بشكل متفاوت عند فلاسفة العلم. ومن المعلوم أن القفزة الكبرى في تاريخ العلم إنما كانت بإدخال عنصر التجربة في عملية محاولة فهم الطبيعة وبنبذ طريقة الفلاسفة اليوناين في التوصل إلى حقائق الأمور عن طريق الطريقة المنطقية والتأمل الخالي من الاستعانة بالتجربة. والذي ينسب إليه عادة حمل لواء هذه الفلسفة (فلسفة المنهج التجريبي) هو فرنسيس باكون، رغم أن الانتقادات التي وجهها هو وغيره من فلاسفة الغرب للمنهج الأرسطي الذي يهمل التجربة في بداية عصر "التنوير" لم تكن في جوهرها جديدة حيث سبق إليها العلماء المسلمون قبل ذلك بقرون من أمثال الغزالي وابن تيمية وغيرهم2 بل وشرعوا في تطبيق المنهج التجريبي في أبحاثهم3. ولسنا نحتاج هنا أن نؤكد على أن العلم لم يكن ليتقدم لولا توظيف نتائج التجربة في العملية العلمية فهو أمر متفق عليه، ولكن السؤال المطروح هو لماذا كان للتجربة هذا الدور الأساس في تقدم العلم؟ إن الرؤية الغربية تنسب الفضل في تقدم العلم للإنسان وحده ولملكاته المتميزة وترى أنه نجح باستخدام هذه الملكات في "قهر" الطبيعة و"السيطرة" عليها، مع إنه لم يكن ليستطيع ذلك ـ إن سلمنا له جدلاً بأنه استطاع ذلك ـ إلا "بتعاون" الطبيعة معه فمن ضمن له هذا التعاون؟ وبدلاً من أن ينبهر الإنسان بالطبيعة وخالقها عند استكشافه لها وللقوانين التي تحكمها انبهر بنفسه هو فكان شأنه كمن عثر على آلة معقدة نفيسة تزخر بالعجائب في كهف مهجور فاعتبر الإنجاز الأعظم هو عثوره على الآلة ولم يتوقف ليعجب كيف صنعت ولا من صنعها؟
 






رد: اريد موضوع تعبير عن التعليم واثره فى التقدم

العمل

التناقض سمة لا تكاد تنفك عنها معرفتنا الإنسانية عبر مسيرتها في طريق التقدم والتطور، وشاهد ذلك سلوكنا الفكري نفسه، فنحن اليوم نختلف عنا بالأمس.. ونحن غداً غيرنا اليوم، أفكارنا غير أفكارنا ومفاهيمنا غير مفاهيمنا! وقبل أربعة عشر قرناً من الزمان قرر القرآن الكريم هذه الحقيقة فنزل فيما نزل منه قول الحق تبارك وتعالى: }أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا{ النساء:82، أي أفلا يتأملون ويتفكرون في القرآن ولو كان مصدره غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً. وقد ذكر المفسرون أن "الاختلاف" الذي لا يمكن أن نجده في القرآن هو التضاد بين آياته فيما بينها ومناقضة بعضها البعض، أو أنه مناقضة القرآن للوقائع المعلومة والحقائق المقررة. ومعنى ذلك أن أي معرفة إنسانية المصدر مهما تقدمت وتطورت فسيلازمها الاختلاف الكثير المشار إليه في الآية الكريمة، وذلك لكونها (من عند غير الله). ومن نافلة القول أن نشير إلى وضوح هذه الحقيقة فيما يسمى ب"العلوم الإنسانية" كالآداب وعلوم الاجتماع والنفس والفلسفة والتاريخ فإن الاختلافات بين المدارس التي تقوم عليها هذه العلوم لا تكاد أن تحصى. ومن المعلوم أن كل اختلاف في أصول هذه العلوم ومقدماتها يقود إلى اختلاف أكبر في فروعها وبالتالي في نتائجها ومقرراتها. بل إن ذلك ينطبق أيضاً على العلوم الشرعية التي تخضع للذهن البشري كالفقه مثلاً فإن الاختلافات بين الفقهاء لا تكاد أن تنحصر نظراً لتفاوت العقول والأفهام، فكيف إذاً يكون شأن غيرهم من المفكرين الذين لا يسلمون من اختلافات العقول والأهواء على حد سواء. يبقى لدينا المسألة التي ربما بدت أكثر خفاءً، والتي تتعلق بالمعرفة التي يقدمها لنا "العلم Science" بوصفه درة تاج المعرفة الإنسانية وفخرها.. هل هناك "اختلاف كثير" فيما تقدمه لنا المعرفة "العلمية" بوصفها معرفة بشرية في نهاية المطاف؟ وإذا كان الأمر كذلك فكيف يمكن أن نوفق بين التقدم العلمي الذي نراه وبين طبيعة التناقض الذي تقتضيه المعرفة البشرية؟ هذا ما سوف نحاول أن نلقي الضوء عليه في هذه المقالة من خلال رؤية جديدة للتقدم العلمي تستلهم نصوص القرآن ونظرة الإسلام للكون والوجود.

قبل أن نشرع في موضوعنا يحسن بنا أن نعود إلى لفظ في الآية الكريمة التي افتتحنا بها المقال وهو قوله تعالى "يتدبرون" ومعنى تدبر الأمر: نظر في عاقبته ونهايته، ولا يخفى البعد الزمني لهذا المعنى حيث إن نهاية الأمر وعاقبته "تتخلف" عن بدايته ومقدمته. ومن هنا يمكن استنباط أن الاختلاف الكثير المشار إليه في الآية ربما أمكن إدراكه في "سياق زمني" يجعل ما هو "من عند غير الله" من المعارف غير صامد على امتداد الزمن بل عرضة للتغيير والتبديل، هذا إضافة إلى المعنى المتبادر للاختلاف والذي يمكن إدراكه دون الحاجة إلى السياق الزمني كما في العلوم الإنسانية التي أشرنا إليها في بداية الحديث. فلا بد لنا إذاً من النظر في فلسفة تطور "العلم" باعتبار المعرفة التي قدمها لنا العلم عبر القرون الماضية هي الشيء الذي نريد عرضه على سنة "الاختلاف الكثير" في هذه المقالة.

كيف يتقدم العلم؟!

نعرض هنا نماذج من آراء فلاسفة القرن العشرين في مسألة التقدم العلمي وذلك في إيجاز شديد قد لا يسلم من إخلال غير متعمد، يضطرنا إليه ضيق المساحة من جهة وكوننا لا نهدف من هذا العرض إلى استقصاء آراء الفلاسفة في هذه المسألة، إذ غرضنا أن نبين الاختلاف الجذري بين الرؤية الإسلامية المقترحة وبين غيرها من أطروحات الفلسفة الغربية.

يرى كارناب والذي يمثل اتجاه "التجربية المنطقية" التي تعتمد الاستقراء أسلوباً للوصول إلى الحقيقة العلمية، بأن التطور العلمي إنما يتم عن طريق "تأييد" المشاهدة المستقاة من التجربة للنظرية المقترحة من العقل وكلما ظهرت نتائج جديدة لتجارب مختلفة حول نظرية ما كلما تأيدت صدقية هذه النظرية وعلى ذلك فالتقدم إنما يتم بتراكم المعرفة شيئا فشئياً الأمر الذي يستشهد فيه عادة بمقولة إسحاق نيوتن الشهيرة: "إنني لم أستطع أن أرى أبعد من الآخرين إلا عندما صعدت على أكتاف من سبقوني".ورغم الجهد الذي بذله كارناب في تنقيح وتعديل "التجريبية المنطقية" لإنقاذها من النقد الشديد الذي وجه إليها، إلا أنها لم تستطع أن تحافظ على بريقها القديم فنشأت بعدها تيارات فلسفية أخرى، كان من أشدها عليها المنهج التكذيبي الذي تبناه كارل بوبر.

فقد حمل بوبر وهو أحد ألمع فلاسفة القرن العشرين على تصور "التأييد" الذي قدمه كارناب لتقدم المعرفة العلمية وقال إن التجربة لا يمكنها أن "تؤيد" شيئاً البتة، إنما يمكنها فقط أن تنقض أو "تكذِّب" نظرية أو فكرة ما إذا ما أسفرت عن نتائج لا توائم هذه الفكرة أو تلك النظرية. وبعبارة أخرى فإن مجرد موافقة التجربة لتصور نظري معين لا يعني أن هذا التصور صحيح إنما يعني فقط أننا لا نملك دليلاً على خطئه. ويحدث التقدم العلمي حسب بوبر حينما تظهر نتائج مناقضة لتصور نظري معين فعندها يتم التخلي عن هذا التصور والانتقال إلى تصور آخر قادر على أن يستوعب نتائج التجربة التي أظهرت خلل التصور الاول، فالمسألة كلها تعتمد على "تكذيب" النظرية لا على تأييدها. كما يؤكد بوبر أن النظرية الحديثة يجب أن تكون أكثر قابلية "للتكذيب" من سلفها أي أن تكون أكثر تحديداً من حيث محتواها العلمي وأكثر عرضة ـ من حيث المبدأ ـ لإجراء تجارب عملية تظهر زيفها، إذا ما كانت غير صحيحة، وبهذه السلسلة المتتالية من النظريات القابلة للتكذيب يتم التقدم العلمي في رأي بوبر.

ويرفض توماس كُوُن اعتبار تأييد النظرية عند كارناب وتكذيبها عند بوبر أساساً للتقدم العلمي، ويقدم رؤية بديلة ليقول أن التقدم يتم بواسطة انتقال المجتمع العلمي من "نموذج إرشادي Paradigm يعمل ويفكر من خلاله إلى نموذج إرشادي آخر. ففي ظل النموذج الإرشادي الذي يتبناه المجتمع العلمي يكون النتاج العلمي "تراكمي" فيجري تفسير الوقائع وتوجيه البحث العلمي في إطار هذا النموذج، فإذا ما ظهرت بعض النتائج "الشاذة" التي لايمكن تفسيرها حسب هذا النموذج، فإنه يُحاوَل حينئذٍ احتواؤها بتعديل النموذج الإرشادي وليس بإسقاطه، حيث يرى كُوُن أن النموذج الإرشادي السائد يكتسب حصانةً ضد "التكذيب" فلا يمكن إسقاطه فور ظهور بعض النتائج المكذبة له كما يعتقد بوبر، بل يلزم أن يوجد نموذج إرشادي بديل يمكنه أن يحتوي النتائج الشاذة إضافة إلى تلك التي فسرها النموذج السائد، وأن يكون المجتمع العلمي قد شعر أن النموذج السائد لم يعد بإمكانه أن يلبي حاجاته فحينها ينتقل المجتمع العلمي إلي النموذج الإرشادي البديل. وتسمى مرحلة الانتقال هذه من النموذج الإرشادي السائد إلى البديل بالثورة العلمية، والتي يمتنع كُوُن عن تفسير كيفية وسبب حدوثها عازياً ذلك إلى أسباب علمية وثقافية واجتماعية ونفسية معقدة.

وفي مقابل رؤية النموذج الإرشادي التي يقدمها كُوُن، يرى لاكتوش أن التقدم العلمي إنما يتم بواسطة تنافس "برامج البحث" القائمة في المجتمع العلمي، حيث تمثل الثورة العلمية ـ في نظره ـ تفوق "برنامج بحث" على آخر، ويعد برنامج البحث متقدماً عن غيره إذا كان نموه النظري متقدماً على نموه الإمبريقي (التجريبي)، وكان لديه تنبؤات ناجحة إلى حد ما، بينما يكون برنامج البحث متدهوراً إذا تخلف نموه النظري عن نموه الإمبريقي، وأعطى تفسيرات بَعدية إما لاكتشافات عشوائية أو لوقائع مفسرة مسبقاً من قبل برنامج بحثي آخر.

أما لاري لودان فتتميز رؤيته حول التقدم العلمي باستنطاق التاريخ العلمي الذي يلاحظ فيه النقاط التالية:

1. لايمكن الاحتفاظ بالمحتوى المنطقي أو الإمبريقي للنظرية حينما تحل محلها نظرية أخرى (أي لا تراكمية مع التقدم العلمي)

2. لا تنبذ النظريات ببساطة لأن لها شواذ، كما لا تقبل ببساطة لأنها مؤيدة إمبريقياً (أي لا "تكذيب" ولا "تأييد").

3. التغيرات في النظريات والمناقشات التي تصحبها غالباً ما تكون في المستوى المفهومي لا الإمبريقي.

4. لا يمكن اعتبار أن التقدم العلمي يتجه نحو فهم أو مطابقة "حقيقة العالم".

وبناء على هذه الملاحظات فإن لودان يقدم نموذج "حل المشكلة" على أساس أنه هو المحرك لعملية التقدم العلمي بدلاً من اعتبار أن التقدم العلمي مرهون باقتراب النظريات العلمية من فهم "حقيقة العالم". يتقدم العلم ـ حسب لودان ـ في حالة وجود نظريات متتابعة تحل كل واحدة منها مشكلات أكثر من التي تحلها سابقتها. كما يرفض لودان بناء على الملاحظات السابقة النظر إلى المعرفة العلمية على انها تراكمية ويرى أن التقدم العلمي يتعلق بتفضيل النظرية التي يمكنها حل عدد أكبر من المشكلات الإمبريقية وفي الوقت نفسه انتاج أقل عدد من الانحرافات والمشكلات التصورية، ولا يتعلق بمحاولة الحفاظ على الموروث المنطقي أو الإمبريقي للعلم.

أهمية التجربة في التقدم العلمي:

وكما هو واضح فإن فلاسفة العلوم لم يسلموا من "الاختلاف الكثير" الذي نتحدث عنه باعتبار الطبيعة الإنسانية لفرع المعرفة التي تنسب إليها أطروحاتهم، والتي أشرنا إلى وضوح الاختلاف فيها في مقدمة الموضوع! وبالرغم من ذلك فيمكننا ملا حظة قاعدة مشتركة بين هذه الرؤى المتفاوتة تتمثل في أهمية الدور الذي تلعبه التجربة عند الجميع في عملية التقدم العلمي سواء كان ذلك ب"التأييد" عند كارناب أو ب"التكذيب" عند بوبر أو بغيرها من الأدوار التي تلعبها التجربة بشكل متفاوت عند فلاسفة العلم. ومن المعلوم أن القفزة الكبرى في تاريخ العلم إنما كانت بإدخال عنصر التجربة في عملية محاولة فهم الطبيعة وبنبذ طريقة الفلاسفة اليوناين في التوصل إلى حقائق الأمور عن طريق الطريقة المنطقية والتأمل الخالي من الاستعانة بالتجربة. والذي ينسب إليه عادة حمل لواء هذه الفلسفة (فلسفة المنهج التجريبي) هو فرنسيس باكون، رغم أن الانتقادات التي وجهها هو وغيره من فلاسفة الغرب للمنهج الأرسطي الذي يهمل التجربة في بداية عصر "التنوير" لم تكن في جوهرها جديدة حيث سبق إليها العلماء المسلمون قبل ذلك بقرون من أمثال الغزالي وابن تيمية وغيرهم2 بل وشرعوا في تطبيق المنهج التجريبي في أبحاثهم3. ولسنا نحتاج هنا أن نؤكد على أن العلم لم يكن ليتقدم لولا توظيف نتائج التجربة في العملية العلمية فهو أمر متفق عليه، ولكن السؤال المطروح هو لماذا كان للتجربة هذا الدور الأساس في تقدم العلم؟ إن الرؤية الغربية تنسب الفضل في تقدم العلم للإنسان وحده ولملكاته المتميزة وترى أنه نجح باستخدام هذه الملكات في "قهر" الطبيعة و"السيطرة" عليها، مع إنه لم يكن ليستطيع ذلك ـ إن سلمنا له جدلاً بأنه استطاع ذلك ـ إلا "بتعاون" الطبيعة معه فمن ضمن له هذا التعاون؟ وبدلاً من أن ينبهر الإنسان بالطبيعة وخالقها عند استكشافه لها وللقوانين التي تحكمها انبهر بنفسه هو فكان شأنه كمن عثر على آلة معقدة نفيسة تزخر بالعجائب في كهف مهجور فاعتبر الإنجاز الأعظم هو عثوره على الآلة ولم يتوقف ليعجب كيف صنعت ولا من صنعها؟
 



ربما تبحث أيضا عن : المنتدى
alostaz عربى ثالثة اعدادى ترم ثانى
alostaz عربى ثالثة اعدادى ترم اول
alostaz فرنساوى تانية ثانوى الترم الاول
alostaz لغة عربية خامسة ابتدائى ترم اول
M اسأل ونحن نجيب
م اسأل ونحن نجيب
M اسأل ونحن نجيب
ف اسأل ونحن نجيب
ا اسأل ونحن نجيب
س اسأل ونحن نجيب
S اسأل ونحن نجيب
S اسأل ونحن نجيب
S اسأل ونحن نجيب
ح اسأل ونحن نجيب
S اسأل ونحن نجيب

ربما تبحث أيضا عن :